كتب الكاتب خالد الزبون للمحيط العربيرقصة قصيرة بعنوان بين الزحام
قصة قصيرة
بَيْنَ الزّحَامِ
الكاتب أ . خَالِد الزَّبُون
ضَائِعٌ بَيْنَ الزِّحَامِ ، عِنْدَمَا تَعَرَّض لِحَادِث سَيّارَة فَقَد ذَاكَرْته وَلَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ نَفْسَهُ وَحَيَاتَه وَاسْمَه وتاهت ذِكْرَيَاتَه وَأفْكَارَه وَلَمْ يَكُنْ غَدُه حَاضِرًا فِي أمسياتِ الْمَسَاء الَّتِي كَانَتْ تَتَلأْلأ بأمنيات وأحلام تَحْمِل مَعَهَا الْجِبَال الراسيات ، فَقَدْ كَانَ يخططُ للعودة إلَى الوَطَنِ ، فَقَدْ أَتَتْ الْغُرْبَةُ عَلَى قَلْبِهِ ومشاعره وأحاسيسه فجَمَال وَسُكُون
الْبَحْر وطائر النورس وَغُرُوبِ الشَّمْسِ وَسَاعَةَ الشُّرُوق جَعَلَتْه غَرِيبًا عَنْ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ ، فَمَا زَالَتْ قَرْيَتَه الوادعة الَّتِي غادرَها قَهْرًا تُدَاعِب مخيلته ، السَّاحَات الْجَمِيلَة وَسَمَر الصَّيْف ودبكات الشَّبَاب والصبايا وحكايا الشِّتَاء وَصَوْت الْحَادِي وابتسامة تزهر وَرَدًّا وزهر اللوز ، هُنَا كَانَ يَعِيشُ آمَنَّا مُطْمَئِنًّا ، يُضاحكُ سَعِيدًا أَخَاه وَفَاطِمَة أُخْتَه ، فِي حَيَاةِ تتدفقُ أَحْداثَها كجندول مَاء عَذَّبَة مِيَاهَه ، وَلَكِنَّهَا مَشِيئَةُ اللَّهِ أَنْ تَنْقَلِبَ الْأَحْوَال وَتَتَغَيَّرَ الظُّرُوف فيَجِدَ نَفْسَهُ فِي بِلَادِ اللَّهِ يَنْحت الصَّخْر وَيَجْتَهِد لِيُصْبِح محاميا لَيَحْمِل هَم الوَطَن وَألَم العَائِلَة وشجن الْآمَال الْعَرِيضَة فَفَاطِمَة كَبِرَت وَهِيَ فِي بِضْعَةَ سَنَوَات سَتُصْبِح طَبيبة ، وَتُحَقِّق أُمْنِيَة وَالِدَتِي أَن تَرَاهَا فِي اللِّبَاسِ الْأَبْيَض لِتُؤَدِّي رسالتها فِي خِدْمَةِ النَّاسِ فَقَدْ كُنَّا نبحث عَنْ الْأَطِبَّاءِ وَلَا نَجِدُهُم فَأُمُّ مَحْمُودٌ جارتنا حَكَيْمَة الْقَرْيَة تَصِف عِلَاجًا شعبيا وتريح الْقُلُوب المتلهفة لِلْعِلاج بِكَلِمَات تَشْعِر بَعْدَهَا بِرَاحَة لَا شعورية ، وَأَمَّا سَعِيدُ فَيَعْمَل مقاولا وَيَدَّخَر مَا يَجْنِيه مِنْ عَمَلِهِ لِيَبْنِي بُرَجَا يَرَى مِنْ خِلَالَهِ الْبَحْر ومراكب الصَّيَّادِين ، وَيَا لِهَذَا الزَّمَن الْعَجِيب فَكُلٌّ مِنْهُمْ فِي بَلَدٍ لَا يَلْتَقِي مَعَ الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ مُعَانَاة سَفَر طَوِيلَة ، وَعِنْدَمَا قَرَّر لِقَاء إخْوَتِه كَانَ الْحَادِثُ الْأَلِيم ، لِيَعُود غَرِيبًا عَنِ الوَطَنِ وَالْأَهْل والأحباب وَالْأَخ وَالْأُخْت ، فُقْدَان لِلصُّورَة وَلَكِن الْقَلْب تتدفق دِمَائَه بطيور الْحَجَل تَبْنِي اعشاشها وَيَعْلُو صَوْتُِ الْمُؤَذِّنِ وَتَمْر حَيَاتَهُ فِي ثَوَان تَدْعُوه للثورة عَلَى أَحْزَانُه كَمَا اللَّيْل يَتْلُوه إشْرَاقُة صَبَاح وخُطُوط شَمْس تَكَبَّر وَتَمَلَّأ الْكَوْن ، ليتضح الْمَشْهَد رُوَيْدًا رُوَيْدًا وَتَتَجَلَّى الصُّورَة فتَعُود الذَّاكِرَة ويهتف الْقَلْبُ مَعَ فَاطِمَة وَسَعِيد ،، عَائِدٌ إلَى قَرْيَةٍ جَدِّي وَأَبِي وَأُمِّي وبيتنا الْعَتِيق وَشَجَرَة السِّنْدِيَان . . .
تعليقات
إرسال تعليق