كتب الكاتب رضا الحسيني للمحيط العربي قصة قصيرة بعنوان مختلفة
.. مختلفة ... قصة قصيرة / رضا الحسيني
بدلخل كل منا شيء ما يختلف بشكل ما عما بداخل الآخرين ، سواء من يعرفهم أو غيرهم ، وأنا هكذا نشات بشكل مختلف ، ولا أعرف هل هذه النشأة هي الأفضل لي أم لا ، وحتى الذين نشاوا معي بنفس المكان والظروف لا أعرف يشعرون بما أشعر أنا به أم لا ، فما أعرفه أن كل إنسان يختلف شعوره عن غيره حتى وإن عاش نفس ظروفه وأحواله
في دار أيتام نشأت ، تفتحت عيوني على عالم غريب ، حولي الكثير من الأطفال مثلي ، منهم الأكبر مني ومنهم الأصغر مني ، كنا فيها مثل المعروضات بمحل الأنتيكات ، يأتي أناس يوم العرض فيجدوننا بانتظارهم ، نرى في أعينهم نظرات غريبة ، منهم من يمدون لنا أيديهم بما تجود به أنفسهم ، مال أو ملابس أو حلوى أو ألعاب ، كان منا كثيرون يفرحون بكل ذلك ، وكان كثيرون ينتظرون مثل هذا اليوم باشتياق ، بل منهم من كان يفعل الكثير حتى يجذب إليه النظر والعطف ، أنا لا ، كنت مختلفة عنهم جميعا ، وربما كان غيري آخرون في غرف أخرى من الدار ، فنحن كنا نتواجد بكل غرف الدار حسب أعمارنا وأنواعنا
كنت أجلس أتابع كل مايحدث حولي في هذا اليوم ، وكيف يتصرف الأطفال والمتفرجين ، وكذلك أصحاب الدار ، لا أترك سريري ولا ارتدي شيئا مخصوصا ولا أجعل أحدا يدخل في عيوني ولو للحظة ، أمسك بكراستي وقلمي وكأنني أذاكر ، واكتشفت عندما كبرت قليلا أن ماكنت أفعله هذا دون أن أقصد يتماشى كثيرا مع مايحبونه في الدار يوم العرض هذا
كبرت وكبرت معي مشاكلي واختلافاتي ، كانوا يقولون لنا بالدار أننا كلنا هنا إخوات ، وأن كل أخ لابد وأن يحافظ على أخته ، وهذا بالفعل ماكان يحدث ، فلم أشعر يوما ما بأنني بين غرباء عني ، سواء من البنات أو الأولاد ، كنا نفعل كل شيء معا ، نلعب نأكل نذاكر نتحدث نخرج للتنزه أحيانا ، ولكن كان يحدث أمر لا أستوعبه أبدا ، كيف ونحن إخوة هكذا بنفس الوقت يتزوج ولد من بنت بالدار ، يتزوج أخ من أخته ، كنا قد تعلمنا في دروس الدين لايجوز زواج الأخوات ، فهذا مُحرَّم ، حتى كبرت أكثر ، وجدتهم يزفونني لأحد إخواتي بالدار مثل من سبقوني وكبروا قبلي ، كان هذا الرجل دائما بيني وبينه حاجز كبير، لم أستطع أبدا أن أتجاوز هذا الحائط حتى اليوم ، رغم إنجابي منه أربعة من الأولاد والبنات ، كانت المشكلة الكبرى التي أعيشها هي الأهل ، ماذا أقول لأولادي ، من اختي وأخي ، من أمي وأبي ، من خالي وعمي وبقية عائلتي ، لا أعرف كيف كان يفكر هو ، وهل كانت يشغله مثل هذه الأمور أم لا ، كان بعض رفاقنا يأتون لزيارتنا على فترات وكنا كذلك نزورهم ، وكان زوجي هذا يخبرهم دائما بأن هذا عمهم وهذه عمتهم وهكذا ـ أما أنا لم أستطع فعل ذلك
_ ياماما هو إحنا مفيش لينا خال أو خالة زي كل الأولاد بالحارة والمدرسة ؟!
_ لا يا ياولاد ، أنا كل أهلي فقدتهم زمان في حادث وأنا صغيرة ، ولا أعرف أحدا منهم لسه عايش
_ يعني من صغرك ياماما وانتِ بدون عيلة ؟
_ أه ، اتربيت في بيت جيرانا ولما أنا كبرت كانوا قد ماتوا لأنهم كانوا كبار بالسن
وهكذا أخرجت نفسي من دوامة الكذب التي لم أستطع تقبلها ، حتى مرت بنا الأيام وصارت ابنتي دعاء عروسة ياتي من يطلبها للزواج ، وبالفعل تحدد يوم لياتي زميلها بالعمل بأسرته ليطلبوا يدها ، كانت المفاجأة المزلزلة ، والدي العريس بسهولة تعرفا علي أنا وزوجي ، كانا من بين من يأتون يوم الفُرجة مع من يأتون يحملون لنا كل مالذ وطاب ، شعرت بهذا من نظراتهما ولم يلاحظ زوجي ، كان منهمكا في الترحيب بلحديث مع عريس دعاء ، فجأة قام الرجل وزوجته وهما يجذبان ابنهما غير المستوعب لمايحدث ن وأعين ابنتي تحاصرني تريد ان تفهم شيئا ، وكان لابد وأن أحكي لها الحقيقة ، ففي صباح الغد ستعرفها من زميلها بالتأكيد ، ومن وقتها وهي داخل غرفتها لاتخرج وأنا في حيرة من أمري ، هل أحكي لبقية أولادي الحقيقة أم أنتظر حتى تأينا الكارثة القادمة ؟
تعليقات
إرسال تعليق