كتب الأستاذ خالد الزبون للمحيط العربي قصة قصيرة بعنوان ابْتِسَامَةُ الْفُقَرَاءِ
ابْتِسَامَةُ الْفُقَرَاءِ
قِصَّةٌ قَصِيرَةٌ
بِقَلَمِ أ . خَالِدُ الزَّبُّونِ
فِي سَاعَاتِ الْفَجْرِ الْأُولَى يَذْهَبُ أَبُو السَعِيدٍ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْمَخْبَزِ لِشِرَاءِ الْكَعْكِ حَيْثُ يَطُوفُ بِعَرَبَتِهِ مَعَ ارْتِفَاعِ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ أَوْ مَعَ تَسَاقُطِ حَبَّاتِ الْمَطَرِ ،
يَظْهَرُ أَلَمُ السِّنِينَ مِنْ صَوْتِهِ وَجَبْهَتِهِ الشَّامِخَةِ تَتَصَبَّبُ عَرَقًا مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى حَفْنَةٍ مِنْ الْمَالِ لَا تَكَادُ تَكْفِي لِدَفْعِ اجْرَةِ الْمَنْزِلِ وَتَوْفِيرِ مَصَارِيفِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَأُمُورِ الْحَيَاةِ ، ضَغْطٌ كَبِيرٌ عَلَى الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ ،
وَلَكِنَّ الِابْتِسَامَةَ هِيَ اغْلَى مَا يَمْلِكُهَا الْفَقِيرُ وَيَحْتَاجُهَا لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى بُؤْسِ الزَّمَانِ وَأَحْزَانِهِ وَهُمُومِهِ ، فَهُمْ بُسَطَاءُ ارْوَاحِهِمْ الرَّاقِيَةِ يَسْكُنُ بِهَا التَّوَاضُعُ لِأَنَّهُمْ يَمْتَلِكُونَ الْقَنَاعَةَ ، يَقُولُ وَهُوَ يَنْفُثُ سِيجَارَتَهُ وَيُرَاقِبُ حَلَقَاتِهَا الَّتِي تَتَلَاشَى كُلَّمَا كَبِرَتْ ،
كُنْتُ أُفَكِّرُ بِحَيَاةٍ وَرْدِيَّةٍ بِأَحْلَامٍ تُعَانِقُ السَّمَاءَ وَلَكِنَّنِي اكْتَشَفْتُ انْهَا آلَامٌ بِقَسْوَةِ الْفَقْرِ بَيْنَ أَزِقَّةِ الْحَيَاةِ فَأَفْرَاحِي الصَّغِيرَة كَسِرَابٍ ،
كَزَهْرَةٍ تَذْبُلُ أَمَامَ وُجُوهِ الْمَارِّينَ وَالْعَابِرِينَ
كَأَلْفِ رِوَايَةٍ وَحِكَايَةٍ
فَأَكَادُ لَا أُشَبِهُ نَفْسِي فَلَسْتُ الْإِنْسَانَ الَّذِي كُنْتُ ارْسُمُ مَعَهُ آمَالَهُ وَمِنْ الصَّعْبِ
أَنْ لَا تَتَعَرَّفَ عَلَى نَفْسِكَ لِتَجِدَ بَعْضَهَا فِي زَمَنِ الْغُرْبَةِ وَالْبُؤْسِ تَحْمِلُ حُطَامَكَ وَاوْجَاعَكَ لِتَسْتَطِيعَ الصُّمُودَ وَالْقِتَالَ مِنْ أَجْلِ افْوَاهٍ فِي طُرُقَاتٍ بِلَا رَبِيعٍ وَلَا وَجْهٍ ، تَسْكُنُ فَوْقَ مَشَاعِرِ الْفُقَرَاءِ وَمَعَ انْسَانِيَّتِهِمْ وَمَا وَرَاءَ ابْتِسَامَتِهِمْ وَمُعَانَاتِهِمْ وَحِرْمَانِهِمْ وَايَامِهِمْ الْعَصِيبَةِ وَلَحَظَاتِ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ وَالْقَهْرِ ، فَأَيُّ انْكِسَارٍ يَشْعُرُ بِهِ قَلْبُهُ ؟ !
وَأَيُّ ضَيَاعٍ لِقِيَمِ مُجْتَمَعٍ يَفْتَرِشُ فَقِيرُهُ الْأَرْضَ وَالطَّارِقَ ؟!
وَأَيُّ عَزِيمَةٍ وَارَادَةٍ لَهُ لِرُكُوبِ عَجَلَةِ الْمَشَقَّةِ ؟ !
فَمَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ انْ تَكُونَ بُيُوتُ الْفُقَرَاءِ قِبْلَةً لِلنُّسَّاكِ بِالْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ فِي عَامٍ اسْتِثْنَائِيٍّ !
فَصَوْتُ أَلَمِهِمْ لَا يَقِلُّ عَنْ أَنِينٍ يُعَانِي الْمرض
فَمَا أَجْمَلَ ابْتِسَامَتَهُمْ !
عِنْدَمَا يُلَامِسُ امَلُهُمْ جَبِينَ السَّمَاءِ وَيُطَوَّقُ بِسُوَارِ أَغْنِيَاءِ الضَّمِيرِ . . .
تعليقات
إرسال تعليق